سورة البقرة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} [البقرة: 2/ 28].
وهذا التّنقل بين موتتين وحياتين دليل على قدرة الله تعالى، ودليل على وجود ما يسمى بالبرزخ: وهو الحدّ الفاصل بين الدنيا والآخرة، والبرزخ حياة ذات طبيعة خاصة في عالم القبور.
ثم ذكّرنا القرآن الكريم بمظهر آخر من مظاهر قدرة اللّه، عزّ وجلّ، وهو خلق جميع ما في الأرض لخدمة الإنسان، بما فيها من كنوز وخيرات وتمكّن من استخدام موجودات الدنيا من ذرة وكهرباء وأثير، نمتطي به عالم الطيران ونحلّق في سفن الفضاء، ونكتشف عوالم النجوم والكواكب السّيارة كالقمر والزهرة والمريخ. ومن مظاهر قدرة اللّه وعظمته خلق السموات السبع التي رفعها اللّه بقدرته، وأودع فيها دقائقه وأسراره، وعلّم اللّه مخلوقاته تلك الأسرار، قال اللّه تعالى:


{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} [البقرة: 2/ 29].
وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلقت قبل السماء، وذلك صحيح، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء. وعلى الناس أن يتأملوا في عظمة الكون ليتوصلوا إلى الإيمان بربّ السماوات والأرض وما فيهن، وأن اللّه على كل شيء قدير.
الإنسان خليفة الأرض وسجود الملائكة لآدم:
كرّم اللّه تعالى الإنسان باختيار آدم خليفة في الأرض، وتعليمه اللغات التي لا تعلمها الملائكة، وأمر الملائكة بالسجود له سجود تحية وتكريم، لا سجود عبادة وتعظيم. وكل ذلك لتكريم النوع الإنساني، وتكليفه وتشريفه بعمارة الدنيا وتقدم الحياة البشرية. وقد جرى حوار صوّره القرآن الكريم بين اللّه تعالى والملائكة لإظهار دور آدم وذريته في الأرض، وجعلهم خلفاء فيها، يخلف بعضهم بعضا. قال اللّه تعالى واصفا ذلك:


{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)} [البقرة: 2/ 30- 34].
اذكر أيها النّبي لقومك قصة خلق أبيهم آدم، حين قال اللّه للملائكة: إني متخذ في الأرض خليفة، يقوم بعمارتها وسكناها، وينفذ أحكامي فيها بين الناس، فتساءل الملائكة مستعلمين: كيف تستخلف هذا الخليفة، وفي ذرّيته من يفسد في الأرض بالمعاصي، ويريق الدماء عدوانا وبغيا لأن أفعالهم عن اختيار وإرادة، وقد خلقوا من طين، والمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب. وقد عرفوا ذلك لأنهم هم المعصومون، وكل من عداهم ليسوا على صفتهم، أو قاسوا ذلك الخلق وهم الإنس على الجن الذين سكنوا الأرض، فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة.
ونحن الملائكة أولى وأحق بالاستخلاف، لأن أعمالنا مقصورة على تسبيحك وتقديسك، وطاعتك وتمجيدك، والثناء عليك والحمد لك. فأجابهم اللّه تعالى: إني أعلم من المصلحة في استخلافه ما هو خفي عنكم، وأعلم كيف تصلح الأرض وكيف تعمر، ومن هو أصلح لعمارتها.
وعلّم اللّه آدم أسماء الأشياء والأجناس المادية، من نبات وجماد وإنسان وحيوان، مما تعمر به الدنيا، ثم عرض مجموع المسميات على الملائكة، أو عرض نماذج منها، لقوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} لأن العرض لا يصح في الأسماء.
وقال لهم: أخبروني بأسماء هؤلاء، إن كنتم صادقين في ادّعائكم أنكم أحقّ بالخلافة من غيركم، فعجزوا، وقالوا: يا ربّ سبحانك، لا علم لنا إلا ما علّمتنا، إنك أنت العليم بكل شيء، الحكيم في كل صنع وتدبير.
وهذا يدلّ على تفضيل آدم على الملائكة واصطفائه، بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة، فلا يكون لهم فخر عليه.
ثم طلب اللّه من آدم، عليه السّلام، بقوله: أخبرهم يا آدم بأسماء الأشياء التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بقصورهم عن معرفتها، فلما أخبرهم بكل الأسماء، أدركوا السّرّ في خلافة آدم وذرّيته، وأنهم لا يصلحون للاشتغال بالماديات، والدنيا لا تقوم إلا بها، فإنهم خلقوا من نور، وآدم من طين، والمادة جزء منه.
وحينئذ قال اللّه تعالى للملائكة: ألم أقل لكم: إني أعلم ما غاب في السموات والأرض عنكم، وما حضر أيضا، ولا أجعل الخليفة الأرضية عبثا، وأعلم ما ظهر وما بطن، وأعلم بما تظهرون وما تكتمون في صدوركم.
واذكر أيضا أيها النّبي لقومك حين قلنا للملائكة الأطهار: اسجدوا لآدم سجود خضوع وتحية، لا سجود عبادة وتأليه، كما يفعل الكفار مع أصنامهم، فسجد الملائكة جميعا له غير إبليس، فإنه امتنع من السجود وتكبر عنه قائلا: أأسجد له، وأنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين؟! فصار بإبائه واستكباره، وتعاليه، وغروره من الكافرين، الذين استحقّوا اللعنة والطّرد من رحمة اللّه إلى يوم الدين.
سكنى آدم وحواء الجنة:
من ألوان التكريم الإلهي للإنسان إسكان آدم وحواء في الجنة في بدء الخلق، ليكون تمهيدا لمصير أهل الاستقامة في نهاية الخلق. ولكن الحكمة الإلهية اقتضت إعاشة الإنسان في الأرض، لتعمير الكون، وتكاثر النوع الإنساني، وإظهار مزيته في جهاد النفس والهوى والشيطان.
وهذه قصة آدم وحواء في الجنة والأرض:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8